تجنب الإدارة التفصيلية عند التفويض!
في عالم الأعمال، يُعدّ التفويض (Delegation) مهارة أساسية لا غنى عنها، إذ لا يمكنك إنجاز كل شيء بمفردك سواء كنت قائدًا للفريق أو عضوًا فيه. يعرف الكثير من الناس أن التفويض هو خيار متاح لهم، ولكن لا يعرف الجميع الطريقة الصحيحة للتفويض، فكيفية التفويض تلعب دورًا حاسمًا في نجاح تنفيذ المهام أو المشاريع المفوضة.
للبحث في هذا الموضوع، بدأنا باستطلاع رأي بسيط عن التفويض في أحد مجتمعاتنا الإلكترونية سألنا فيه: “ما هي أفضل طريقة لتفويض المهام من قبل القادة إلى أعضاء فرقهم؟”
كانت نتائج الاستطلاع كالتالي:
- 3٪ من المشاركين يرون أن القائد يجب أن يقدم تعليمات تفصيلية للموظف.
- 33٪ يعتقدون أن القائد يجب أن يحدد الهدف فقط دون تقديم أي تفاصيل.
- 64٪ يرون أن القائد يجب أن يحدد الهدف ويقدم تعليمات تفصيلية أيضًا.
كما نرى من نتائج الاستطلاع، يعتقد معظم المشاركين، بنسبة 67%، أنه يجب توفير تعليمات مفصلة مع المهمة المفوضة. ولكن، هل هذا هو النهج الصحيح للتفويض؟ هل هذا هو أفضل نهج يعود بالفائدة على العمل ونمو الشخص الذي يتم تفويضه بالمهمة؟!
التفويض ليس مجرد توزيع للمهام للتخلص منها، بل هو وسيلة لتعزيز الإنتاجية وتنمية قدرات الفريق. ومع ذلك، هناك خيط رفيع بين التفويض الفعّال والإدارة التفصيلية (Micromanagement)، التي تعيق الإبداع وتؤثر سلبًا على أداء ونمو الفريق. فعندما يفرط القائد في تقديم التفاصيل، فإنه يحدّ من قدرة الموظفين على التفكير المستقل واتخاذ القرارات.
لذلك، بصفة عامة، يجب على القادة تجنب إعطاء تعليمات مفصلة بقدر الإمكان لكي يتجنبوا الوقوع في فخ الإدارة التفصيلية التي ترهق القائد وتستهلك وقته وتزعج الفريق وتحد من قدرتهم على النمو.
نتفق معكم بأن التخلي عن تقديم التعليمات التفصيلية قد يبدو أمرًا محفوفًا بالمخاطر، خصوصًا في المهام الحساسة، لكن، في الواقع، الأمر ليس مخيفًا كما يتصور البعض، فأنت تتخلى عن تقديم التعليمات فقط، و لا تتخلى عن دورك في الإشراف والمراجعة.
من المهم أن نميز هنا بين التفويض (Delegation) و التنازل (Abdication). في كتابه “خرافة ريادة الأعمال” (The E-Myth)، يوضح مايكل غيربر الفرق بين المفهومين. فالتفويض يشمل تعيين المهام مع الحفاظ على دورك في الإشراف المناسب وتقديم الدعم والإرشاد لضمان نجاح المهام. بينما التنازل يعني التخلي عن المسؤولية دون توفير التوجيه أو الدعم الكافي، مما قد يؤدي إلى الفشل. في التفويض الفعّال، يظل القائد مشاركًا في العملية ويتأكد من أن الموظفين لديهم الموارد والدعم اللازمين لتحقيق النجاح.
لتنفيذ ذلك، دعونا نقترح عليك النهج البسيط التالي من خبراء مكمن لضمان تفويض فعّال دون الوقوع في فخ الإدارة التفصيلية:
- توضيح الهدف: عند تفويض أي مهمة، يجب أن يشرح القائد الهدف المطلوب تحقيقه من المهمة.
- التأكد من فهم الهدف: بعد شرح الهدف، ينبغي سؤال الموظف سؤالين: “هل الهدف واضح لك؟” و “هل تعرف كيف تنجز المهمة؟”
- المتابعة حسب استجابة الموظف:
- إذا كان الموظف يعرف كيفية تنفيذ المهمة، عندها يكون دور القائد هو المراجعة والإشراف العام فقط.
- إن كان الموظف لا يعرف كيفية التنفيذ، فلا يجب عليك تقديم التعليمات للموظف، بل من الأفضل تحديه – بشكل داعم – وتحفيزه على التفكير بنفسه. وبعد سماع إجابته بخصوص كيفية التنفيذ، يمكن للقائد تقديم التغذية الراجعة (Feedback) والتعديلات أو التصحيحات اللازمة على كيفية التنفيذ.
- وطبعًا، لا تنسى دورك في الإشراف والمراجعة!
تلك خطوات بسيطة ولا تستغرق منك وقتًا، لكنها فعالة ليس في إنجاح المهمة فقط بل أيضًا في تحفيز الموظف على التفكير بنفسه ومنحك -كقائد- فرصة للدعم وتصحيح المسار.
هذا النهج متوافق – من حيث المبدأ – مع نموذج القيادة الموقفية (Situational Leadership) — أي القيادة حسب الموقف، الذي طوره بول هيرسي وكين بلانشارد، والذي يحدد أربعة أنماط قيادية (Delegate, Coach, Sell, Tell) يمكن للقادة استخدامها بناءً على مستوى كفاءة واهتمام أو التزام الموظفين. بإمكانك تعلم المزيد عن هذا النموذج في هذا المقال التشاركي على منصة ويكيبيديا.
التدريب والتأهيل قبل التفويض
قبل أن يتمكن القائد من تفويض المهام، يجب أن يكون الموظفون مجهزين بالمعرفة والمهارات اللازمة. التدريب والتأهيل بعد التوظيف (Onboarding) هو عنصر أساسي في أي مؤسسة، فلا يمكن تفويض المهام إلى موظف جديد قبل إعداده بشكل مناسب. خلال فترة التدريب، يتعرف الموظفون على أنظمة، ولوائح، وإجراءات الشركة، مما يسهل عملية التفويض لاحقًا.
وكما ذكرنا سابقًا، حتى بعد التفويض، يمكن للقائد أن يحتفظ بدوره في الإشراف والمراجعة، خاصة في المهام المعقدة أو عالية المخاطر. ومع ذلك، يجب أن يظل الهدف هو تجنب الإدارة التفصيلية قدر الإمكان وترك مساحة للموظف ليفكر ويعمل بشكل مستقل.
اترك تعليقاً