تحسين عملية الطلب-إلى-التحصيل (O2C)
في ظل الاقتصاد الرقمي، لم تعد المرونة التشغيلية في شركات الاتصالات مجرد ميزة تنافسية، بل أصبحت ضرورة وجودية. ومع سعي شركات الاتصالات إلى تقديم تجارب رقمية سلسة ومتكاملة للعملاء، يصبح من الضروري النظر في دورة العمليات التشغيلية بأكملها – وعلى وجه الخصوص، عملية الطلب-إلى-التحصيل، Order-to-Cash (ويُشار لها اختصارًا O2C أو أحيانًا بـ OTC). ورغم بساطتها النسبية في حالة التعامل ببطاقات الدفع المسبق الدفع، تزداد درجة التعقيد بشكل كبير عند إدخال منتجات رقمية، أو نماذج الاشتراك (subscription models)، أو برامج الولاء (loyalty programs)، أو الخدمات المُحفّزة بأساليب الألعاب (gamified services). في مثل هذه البيئات، تصبح عملية O2C السلسة عنصرًا أساسيًا للحفاظ على الأداء عند التوسّع.
تشمل عملية O2C خطوات متعددة مثل طلب العميل، وتفعيل الخدمة، والفوترة، والتحصيل، وقد تمتد في بعض الأحيان إلى أجزاء من سلسلة التوريد (supply chain). وتُعد هذه العملية محورًا حيويًا في الأعمال التي تعتمد على المنتجات أو الخدمات على حد سواء. ومع ذلك، تظل هذه العملية في العديد من شركات الاتصالات مجزأة، يدوية، ولا تتماشى مع توقعات العملاء. والنتيجة: تأخر في تحقيق الإيرادات، تباين في جودة تنفيذ الخدمات، وانخفاض في الكفاءة التشغيلية بسبب ضعف تكامل الأنظمة، مما يعيق النمو.
لماذا تستحق عملية O2C كل هذا الاهتمام؟
تمسّ عملية O2C معظم الوظائف الحيوية في المؤسسة: المبيعات، والتنفيذ، والمالية، وخدمة العملاء. وإذا نُفذت بطريقة فعالة، فإنها تضمن أن يتحوّل اهتمام العميل إلى إيراد حقيقي بطريقة سلسة ومنظمة، مما يعزز الثقة ويُسرّع الأداء. أما إذا تعطلت، فإنها تكشف عن مشكلات هيكلية لا يمكن إخفاؤها عبر الإنفاق التسويقي أو تطوير المنتجات.
تأمل هذا السيناريو: عميل يشترك في خدمة مميزة ضمن عرض ترويجي. كانت تجربة التسجيل الأولي سلسة، لكن بعد الدفع، لم يتم تفعيل الخدمة لعدة أيام بسبب مشكلات داخلية في التنسيق. يتواصل العميل مع الدعم الفني، ليجد نفسه يتنقّل بين الأقسام دون حل واضح. النتيجة؟ إحباط، احتمال كبير لإلغاء الخدمة، وضرر دائم لصورة العلامة التجارية. هذا ليس استثناءً نادرًا، بل نتيجة شائعة لسوء إدارة عملية O2C.
إن عملية O2C ليست مجرد إجراء داخلي، بل هي رافعة استراتيجية تلتقي عندها الوعود التي نقدمها للعملاء مع الواقع التشغيلي. فحينما تكون هذه العملية خالية من الاحتكاك، تُترجم إلى تسريع تحقيق الإيرادات، وتقليل تسربها، ورفع مستوى رضا العملاء.
تشير تقديرات مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) إلى أن تحسين عملية O2C قد يُسهم في زيادة الإيرادات السنوية بنسبة تتراوح بين 1 إلى 3%. وتدعم ماكينزي هذا التوجه، حيث تقدر أن عدم كفاءة هذه العملية قد يؤدي إلى خسائر في الـ EBITDA تتراوح بين 3 إلى 5%. تحسين O2C يمكن أن يستعيد هذه القيمة المهدورة – والتي قد تصل إلى ملايين الدولارات من الإيرادات المُستردة والنمو الفعلي. وتجدر الإشارة إلى أن الأثر المالي الفعلي قد يختلف حسب السياق وطريقة تنفيذ العملية.
ورغم أن هذه المكاسب المالية مغرية، إلا أن القيمة الحقيقية لتحسين عملية O2C تتجاوز النتائج المالية. فهي تعزز تجربة العميل، وتقوي مرونة العمليات، وتُسهم في خلق القدرة على التكيّف السريع مع تغيّرات السوق – وهي عوامل لا تقل أهمية على المدى الطويل.
منهجية قائمة على العمليات
حل مشكلات O2C لا يقتصر على رقمنة النماذج أو أتمتة الرسائل والإشعارات التي يتم إرسالها للعميل. بل يتطلب تبنّي عقلية ترتكز على العمليات – أي رسم سير العمل بين الأقسام والمنصات والأفراد والآلات وغيرها، وربط هذا السير بنتائج أعمال قابلة للقياس.
وهنا تبرز أهمية الأطر التنظيمية مثل إطار TM Forum للعمليات والمعروف باسم eTOM، الذي يقدم تصورًا موحدًا ومتكاملًا لعمليات الاتصالات والخدمات الرقمية. والأهم من ذلك، أنه يوفّر ”لغة تحول مشتركة“ تتيح لفِرق الأعمال وتقنية المعلومات تطوير حلول قابلة للتوسع، قابلة للتكامل، وجاهزة للمستقبل.
في صلب هذا التحول سؤال ينبغي على كل مسؤول تنفيذي أن يطرحه: هل بُنيت عملياتنا حول العميل، أم حول سهولة العمل داخليًا؟ كثير من العمليات القديمة التي صُممت سابقًا لضمان الجودة والسيطرة أصبحت اليوم تركز على الكفاءة الداخلية على حساب تجربة العملاء. والنتيجة هي جمود تنظيمي – أنظمة تقاوم التغيير رغم تطور احتياجات العملاء.
من التفكك إلى الانسيابية
تعمل شركات الاتصالات الرائدة على إعادة تصميم عملية O2C لتحقيق استجابة لحظية، ووضوح تشغيلي، وكفاءة في التكاليف. وتشمل هذه التحولات عادة:
- إزالة الحواجز بين المبيعات والعمليات والمالية
- أتمتة نقاط اتخاذ القرار لتقليل الأخطاء البشرية وإلغاء التسليم اليدوي
- استخدام التحليلات (Analytics) لمتابعة صحة العمليات وتحديد نقاط الاختناق
- التوافق مع البنية الرقمية المفتوحة (ODA) لتسهيل بناء أنظمة مرنة ومترابطة
التحولات الناجحة لا تكتفي برقمنة أوجه القصور، بل تعيد تصميم الطريقة التي تسري بها القيمة داخل المؤسسة.
وبصفتنا مستشارين، ندعو عملاءنا إلى النظر للعمليات التشغيلية ليس كمجرد إجراءات ثابتة، بل كقدرات ديناميكية تدفع الأداء المؤسسي. وتُعد عملية O2C من أبرز الأمثلة على هذه القدرات القابلة لإعادة الابتكار. فعند تحسينها، تُحقّق:
- تسريع تحقيق الإيرادات
- تقليل التكاليف التشغيلية
- تحسين الالتزام بالمتطلبات والاستعداد للتدقيق (Audit)
- رفع رضا العملاء وزيادة معدلات الاحتفاظ بهم
والأهم من ذلك، أنها تُشكّل الأساس لتحول رقمي حقيقي – لا على مستوى التكنولوجيا فقط، بل في أسلوب العمل والتعاون وتقديم القيمة.
ابدأ من سير العمل
في مشاريع التحول، من المغري البدء بالتقنيات أو المنصات الجديدة. لكن دون معالجة سير العمل – مثل عملية الطلب-إلى-التحصيل – فإن التقنية قد تُحوّل الخلل إلى نظام آلي مؤتمت، بدلاً من القضاء عليه.
سواء كنت شركة اتصالات تراجع طريقة تقديم خدماتها، أو مؤسسة من أي قطاع تريد تحسين وضوح تدفق أموالها، فابدأ بتحسين عملياتك. عندما تُنظَّم سير العمل بشكل صحيح، ستتحسّن باقي الجوانب تِباعًا!
هل تبحث عن تدريب على عملية الطلب-إلى-التحصيل (O2C)؟
حسِّن عملية الطلب-إلى-التحصيل (O2C) من خلال مواءمتها مع إطار eTOM والبنية الرقمية المفتوحة من TM Forum لتعزيز المرونة ورفع رضا العملاء. تزودك هذه الدورة المعتمدة من TM Forum بالأدوات اللازمة لتصميم وتحسين ودمج عملية O2C بما يدعم عمليات الأعمال الرقمية بسلاسة. تواصل معنا لمعرفة المزيد عن دورة O2C المعتمدة.